الثلاثاء، 19 يناير 2010

حدود التوازن بين سلطات الادارة الضريبية وضمانات المكلفين


لقد كان السعي دائما الى توفيق المصالح التي تبدو متعارضة بين مصلحة الخزينة ومصلحة الممول او المكلف، فوضعت القوانين الضريبية القواعد التي تكفل حقوق الخزينة وتحقق اغراضها وتحفظ في الوقت نفسه حقوق المواطن وتخفف عبء الضريبة.

فالضريبة يجب ان تكون عادلة يشترك في تاديتها كل المواطنين بحسب قدرة كل منهم على الدفع أي بنسبة الدخل الذي يتمتع به، وان تكون محددة على سبيل اليقين دون غموض او تحكم فتحدد مقدارها ومواعيد دفعها وطرق جبايتها واجراءات تحققها وتنفيذها، ويدخل في هذا الاطار استقرار النظام الضريبي وثباته فلا تكون عرضه للتبديل والتغيير المستمر اذ يجب ان يتعود المكلف على دفعها ولا يشعر بازدياد عبئها عليه، بحيث لا يتعارض ذلك مع المرونة وان تجبى بالطرق والاوقات الاكثر ملائمة للمكلف والخزينة.

وقد رتب القانون الضريبي للادارة الضريبة الاساليب والحقوق للوصول الى المادة الخاضعة للضريبة ولتقرير مقدار دين الضريبة بطريقة دقيقة كما فرض التزامات تكفل للادارة الحفاظ على حقوقها واستيفائها لدينها منها: اعطاء حق الاطلاع عليه من دفاتر وسجلات ووثائق ومستندات تمكننا من تحديد وعاء الضريبة ومقدارها بطريقة دقيقة دون الاحتجاج بسريتها لان الادارة الضريبة امينة على ما تطلع عليه من اسرار، ولقد وضع القانون الجزاءات على كل من يعرقل استخدام الادارة لهذا الحق سواء بالامتناع عن ابراز المستندات او رفض اطلاع الموظفين المعنيين بهذا العمل على الاوراق والمستندات قبل انقضاء مدة التقادم، كما اعطى القانون للادارة الضريبية سلطة تقدير المادة الخاضعة للضريبة سواء بطريقة جزافية او عن طريق المظاهر الخارجية، واعطاها حرية واسعة في جمع الادلة والمعلومات والبيانات ومناقشة المكلف للكشف عن مقدار وعاء الضريبة، وللادارة الحق في اللجوء الى هذا الاسلوب كجزاء لامتناع المكلف عن تقديم تصاريحه الضريبية عن عمد او اهمال، ولا تعني هذه الحرية التحكم في التقرير بل السعي للوصول الى حقيقة وعاء الضريبة بأكبر قدر ممكن من الواقعية المدعمة بالادلة والبراهين.

كما ان القانون الضريبي فرض جزاءات متنوعة على كل من يخالف احكامه وذلك ضمانا لحقوق الخزينة ولصحة ودقة تقدير وعاء الضريبة وتحديد مقدارها وتحصيله، فقرر جزاءات في حال الامتناع عن تقديم السجلات او المستندات الثبوتية او تقديم بيانات واقرارات غير صحيحة او في غير مواعيدها، وتراوحت العقوبات بين الحبس او الغرامة، على المكلف او على من اشترك معه بطريقة التحريض او المساعدة للتخلص من اداء الضريبة.

الا ان القانون وحفاظا على العدالة وحقوق المكلف نظم قواعد التحصيل وفي مقدمتها عدم تحقق الضريبة وتحصيلها الا بتوافر الواقعة المنشئة لها مع تحديد اجراءات ربطها وتحصيلها، فاعطى القانون الحق للمكلف في التظلم من قرارات التقدير من قبل الادارة الضريبية، وابداء اعتراضه الى الجهة التي تولت ربط الضريبة لتراجع نفسها وتتثبت من صحة اعتراضه، كما اعطى الحق برفع ظلامته الى لجان ادارية قضائية(لجنة الاعتراضات)، وغلى القضاء (مجلس شورى الدولة) للطعن في قرارات الادارة وذلك للتاكد من سلامة تصرف الادارة وحماية حقوق المكلف ومطابقتها للقانون.

فالسلطة الضريبية قد تسيء استعمال سلطاتها وامتيازاتها الضريبية تجاه المكلفين ويفترض بالقضاء ان ينصف هؤلاء المكلفين عندما يتظلمون من خطا في الوقائع او القانون وقعت فيه الادارة الضريبية او عندما تتجاوز سلطاتها الضريبية. ومن هنا تظهر اهمية الاعتراضات ودور القضاء الضريبي ورقابته على اعمال الادارة الضريبية لدى ممارستها سلطاتها في تطبيق القانون الضريبي، فالرقابة القضائية تجعل الادارة تمارس سلطاتها في خدمة القانون دون تجاوز على حقوق وضمانات المكلفين.

وترتدي الاعتراضات او المنازعات الضريبية اهميتها الكبرى كون السلطة الضريبية تتمتع بصلاحيات واسعة وامتيازات كبيرة في مواجهة المكلف الذي يبقى الطرف الاضعف في العلاقات الضريبية وليس له سوى الاعتراض كوسيلة وحيدة للدفاع التي هي المراجعة الاصلية الوحيدة بيده.

كما تكتسب المنازعات الضريبية اهميتها من كون المكلف يجهل عن قصد او عن غيره، حقوقه وواجباته الضريبية، الامر الذي يدفعه عن حق او بدون الى اثاره الخلافات الضريبية في وجه الادارة.

لذلك ستتطرق هذه الدراسة لمعالجة موضوع التوازنات بشمولية وتفصيل تمكن الادارة والمكلف من الاحاطة بالموضوع من مختلف نواحيه، فيعزز المكلف مركزه في المحافظة على حقوقه والدفاع عن نفسه، وتتمكن الادارة من ممارسة سلطتها دون تعسف او ظلم، بشكل يخفف حالات الاعتراض من جهة ويمكنها من حسم امره بالسرعة المطلوبة في حال حدوثه من جهة اخرى.

النص الكامل

http://www.najah.edu/modules/graduates/graduates.php?hint=2&id=208&l=ar

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق